«النينو».. العالم ينتظر كارثة مناخية هذا العام.. وخطوات عملية للمواجهة
«النينو».. العالم ينتظر كارثة مناخية هذا العام.. وخطوات عملية للمواجهة
ظاهرة الـ"نينو" من الظواهر المناخية التي تؤثر على العديد من دول العالم، وتتسبب في تغيرات جوية حادة وتأثيرات متعددة على النظامين البيئي والزراعي.
تمتاز هذه الظاهرة بارتفاع درجات حرارة مياه المحيط الهادئ في المنطقة الاستوائية، ما يُؤثر في التوزيع الجغرافي للأحواض الجوية ونمط الرياح، وتحدث عادة كل بضع سنوات، وتتميز بزيادة في درجة حرارة المحيط الهادئ الاستوائي بما يتراوح بين 0.5 و2 درجة مئوية عن المعدل الطبيعي.
وحذر بحث جديد نُشر في مجلة "Science"، من أن ظاهرة "النينو" تلوح في الأفق، ما قد يؤدي إلى موجات حرارة شديدة وجفاف في العديد من البلدان، بما في ذلك الهند، وقد يتسبب في خسائر بقيمة 3 تريليونات دولار للاقتصاد العالمي.
وينتظر العالم مزيداً من ارتفاعات درجة الحرارة وتغيرات حادة في أنماط الطقس خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وأصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقريراً بشأن حالة المناخ العالمية، في مايو 2023، حذرت فيه من تزايد احتمالات حدوث ظاهرة "النينو" خلال النصف الثاني من العام الجاري، ما سيكون له تأثيرات عكسية في أنماط الطقس والمناخ في العديد من المناطق حول العالم، ومن المُرجَّح أن تؤدي الظاهرة إلى مزيد من الارتفاع في درجات الحرارة العالمية.
ووفقًا لتقارير متخصصة، ينجم عن ذلك تأثيرات مباشرة على المناخ، مثل زيادة هطول الأمطار في بعض المناطق وجفاف في أخرى، كما يترتب على ذلك تأثيرات غير مباشرة على المزروعات والمحاصيل.
أحد التأثيرات الرئيسية لظاهرة النينو، هو زيادة كمية الأمطار في المناطق التي تعاني عادة من الجفاف، وزيادة نسبة هطول الأمطار يؤدي إلى زيادة في الرطوبة، ما يساعد على نمو النباتات وزيادة إنتاج المحاصيل، لكن في بعض الأحيان، يمكن أن تتسبب هذه الأمطار الغزيرة في فيضانات وتخريب أراضي الزراعة وتدمير المحاصيل المزروعة.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن ارتفاع درجات الحرارة من شأنه أن يتسبب في الحد من سلامة الأغذية من خلال زيادة الأمراض المنقولة عبر الأغذية والمياه، ونقل الآفات النباتية إلى مناطق جديدة ما قد يؤدي إلى فرط في استخدام مبيدات الآفات، وزيادة امتصاص المعادن الثقيلة السامة في المحاصيل الأساسية، والإضرار بسلامة الأغذية البحرية على نطاق واسع، وانتشار الإصابات الفطرية في النباتات.
وبالتالي، يعاني القطاع الزراعي من خسائر اقتصادية جسيمة نتيجة لتأثير هذا الجفاف، ولمواجهة ظاهرة الـ"نينو" وتقليل تأثيرها السلبي على المزروعات والمحاصيل، هناك عدة إجراءات يجب اتخاذها.
"جسور بوست" بحثت تلك السبل مع متخصصين للتعرف أكثر على طبيعتها وتأثيراتها على البشر.
موجات عنيفة وخسائر بالجملة
ربما كان من المناسب استعراض الخسائر التي تسببت فيها الظاهرة في الأعوام السابقة والموجات المتسببة فيها.
توقع العلماء أن تكون هذه النوبة من "النينو" من أقوى وأشد نوبات الظاهرة والتي تُكلِّف الاقتصاد العالمي الكثير من الخسائر الفادحة بسبب نوبات الطقس الجامحة التي تعقب "النينو" وتمتد آثارها لسنوات.
إذ تُقدِّر دراسة حديثة صادرة في 18 مايو 2023 عن "كلية دارتموث بجامعة نيو هامبشاير الأمريكية" تحت عنوان: "التأثير المستمر لظاهرة النينو في النمو الاقتصادي العالمي"، أن الظاهرة التي تبدأ خلال النصف الثاني من العام الجاري قد تُكلِّف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 3.4 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة (من 2024 حتى 2029)، وذلك على غرار ما شهده العالم بعد حدثين سابقين قويين لـ"النينو" في (1982/ 1983).
شهدت السنوات الخمس اللاحقة آنذاك خسائر للاقتصاد العالمي قُدِّرت بنحو 4.1 تريليون دولار، وتكرَّر هذا السيناريو أيضاً في (1997/ 1998)، حيث شهدت السنوات الخمس اللاحقة لها خسائر للاقتصاد العالمي قُدِّرت حينها بنحو 5.7 تريليون دولار.
ووفقًا لتقارير متخصصة، فقد شهدت العقود القليلة الماضية نوبات عنيفة من ظاهرة "النينو" خلال سنوات (1972/ 1973)، و(1982/ 1983)، و(1997/ 1998)، وكان آخرها عام (2015/ 2016)، حيث سجل حينها عام 2016 أعلى مستويات لدرجة حرارة الأرض، بسبب مزيج من ظاهرة "النينو" القوية وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ، ومن ثم فإن الاحتمالات المتزايدة لحدوث الظاهرة خلال نهاية العام الجاري ستظهر آثارها في 2024.
وعلى الرغم من تباين شدة "النينو" والظواهر المصاحبة لها من موجة إلى أخرى، فإن تأثيراتها في توزيعات سقوط الأمطار حول العالم تبقى شبه ثابتة.
وأكد تقرير حالة المناخ العالمية الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في مايو الماضي، ارتفاع المتوسط السنوي لدرجة الحرارة العالمية للفترة (2023- 2027) عن المعدلات السابقة، وأنه من المتوقع بنسبة (98%) أن تشهد تلك الفترة تسجيل رقم جديد لأعلى مستويات لدرجة حرارة الأرض يفوق الرقم المُسجل عام 2016.
ومن المحتمل أن يكون متوسط السنوات الخمس للفترة (2023- 2027) أعلى من نظيرتها الخمس الماضية (2018- 2022)، وأن تكون مستويات درجة حرارة القطب الشمالي أعلى بثلاث مرات من المتوسط العالمي خلال العقد الماضي.
وبالفعل شهد العالم أسخن يوم في درجات الحرارة يُسجل على الإطلاق في شهر يوليو 2023، وهو ما حطم الرقم القياسي العالمي لمتوسط درجة الحرارة الذي سُجل عام 2016، إذ ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية عن 17 درجة مئوية لأول مرة، ليصل إلى 17.8 درجة مئوية في 6 يوليو الجاري، وذلك وفقاً لخدمة رصد المناخ في الاتحاد الأوروبي "كوبرنيكوس".
طرق المواجهة
علق عضو منظمة الفاو الدكتور نادر نور الدين على الظاهرة بقوله، إن ظاهرة النينو المناخية من الظواهر الجوية التي تحدث بشكل دوري، وتتسبب في تغيرات كبيرة في النمط المناخي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك المجال الزراعي، وتشمل هذه التغيرات ارتفاع درجات الحرارة، ونقصا في كميات الأمطار، وتأثيرات سلبية على نمو وإنتاج النباتات، ولذا يجب أن يهتم المزارعون بطرق للوقاية منها، فيجب أن يتم التخطيط للزراعة بناءً على توقعات ظاهرة النينو المناخية المحتملة، ويتطلب ذلك دراسة دقيقة للظروف المناخية السابقة والتوجهات العامة للظاهرة حتى يتم اتخاذ القرارات الزراعية المناسبة، وقبل بدء موسم الزراعة، يجب تجهيز التربة جيدًا لمواجهة تحديات الجفاف المحتملة.
وأوضح في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه ينبغي تحسين تربة الحقل عن طريق إضافة المواد العضوية والسماد لزيادة قدرة التربة على امتصاص واحتجاز الماء، ويجب استخدام طرق الري الفعالة مثل التنقيط والري بالرش لتحقيق أقصى استفادة من ماء الري وتجنب الهدر، يمكن أيضًا تقليل التبخر عن طريق تغطية التربة بالقش أو غيرها من المواد العازلة، وقد تكون بعض المحاصيل أكثر قابلية للتحمل للظروف الجافة أو ارتفاع درجات الحرارة، لذا، يمكن اعتماد تنويع المحاصيل المستدامة لتقليل المخاطر المحتملة على المحاصيل الزراعية. الدكتور نادر نور الدين
واستطرد، أيضًا يمكن استخدام بعض التقنيات المبتكرة لحماية المحاصيل من آثار النينو المناخية، مثل تكييف البيوت المحمية لتوفير ظروف مناخية مستقرة للنمو، واستخدام الأغطية الزراعية المضادة للماء وغيرها من التقنيات الحديثة، يجب أن يتعاون المزارعون مع الخبراء والموارد المحلية لتنفيذ الإجراءات الوقائية وتطوير استراتيجيات زراعية مستدامة.
وأتم، عند القيام بذلك، يمكن تحقيق تكيف أفضل مع تأثيرات ظاهرة النينو المناخية والحفاظ على إنتاجية الزراعة في المجال الزراعي.